الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب المهر للمدخول عليها) أي وجوبه أو استحقاقه. وقوله "كيف الدخول " يشير إلى الخلاف فيه، وقد تمسك بقوله في حديث الباب " فقد دخلت بها " على أن من أغلق بابا وأرخى سترا على المرأة فقد وجب لها الصداق وعليها العدة، وبذلك قال الليث والأوزاعي وأهل الكوفة وأحمد، وجاء ذلك عن عمر وعلي وزيد ابن ثابت ومعاذ بن جبل وابن عمر، قال الكوفيون: الخلوة الصحيحة يجب معها المهر كاملا سواء وطئ أم لم يطأ، إلا إن كان أحدهما مريضا أو صائما أو محرما أو كانت حائضا فلها النصف وعليها العدة كاملة، واحتجوا أيضا بأن الغالب عند إغلاق الباب وإرخاء الستر على المرأة وقوع الجماع فأقيمت المظنة مقام المئنة لما جبلت عليه النفوس في تلك الحالة من عدم الصبر عن الوقاع غالبا لغلبة الشهوة وتوفر الداعية. وذهب الشافعي وطائفة إلى أن المهر لا يجب كاملا إلا بالجماع، واحتج بقوله تعالى والجواب عن حديث الباب أنه ثبت في الرواية الأخرى في حديث الباب " فهو بما استحللت من فرجها " فلم يكن في قوله " دخلت عليها " حجة لمن قال إن مجرد الدخول يكفي. وقال مالك: إذا دخل بالمرأة في بيته صدقت عليه، وإن دخل بها في بيتها صدق عليها، ونقله عن ابن المسيب. وعن مالك رواية أخرى كقول الكوفيين. قوله (أو طلقها قبل الدخول) قال ابن بطال: التقدير أو كيف طلاقها؟ فاكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر لدلالته عليه. قلت: ويحتمل أن يكون التقدير: أو كيف الحكم إذا طلقها قبل الدخول؟ قوله (والمسيس) ثبت هذا في رواية النسفي والتقدير وكيف المسيس؟ وهو معطوف على الدخول أي إذا طلقها قبل الدخول وقبل المسيس. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ فَرَّقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ وَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَأَبَيَا فَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَأَبَيَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ لَا أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ قَالَ قَالَ الرَّجُلُ مَالِي قَالَ لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْكَ الشرح: حديث ابن عمر من رواية سعيد بن جبير عنه في قصة الملاعنة وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب اللعان. *3* لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَقَوْلِهِ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُلَاعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الشرح: قوله (باب المتعة للتي لم يفرض لها، لقوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة - إلى قوله - بصير) كذا للأكثر، وساق ذلك في رواية كريمة، وساق ابن بطال في شرحه إلى قوله (وعلى الموسع - قدره - ثم قال: إلى قوله - تعقلون) ولم أر ذلك لغيره، وهو بعيد أيضا لأن المصنف قال بعد ذلك " وقوله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف". وتقييده في الترجمة بالتي لم يفرض لها قد استدل له بقوله في الآية وقال الليث: لا تجب المتعة أصلا، وبه قال مالك، واحتج له بعض أتباعه بأنها لم تقدر، وتعقب بأن عدم التقدير لا يمنع الوجوب كنفقة القريب. واحتج بعضهم بأن شريحا يقول: متع إن كنت محسنا، متع إن كنت متقيا. ولا دلالة فيه على ترك الوجوب. وذهبت طائفة من السلف إلى أن لكل مطلقة متعة من استثناء، وعن الشافعي مثله وهو الراجح، وكذا تجب في كل فرقة إلا في فرقة وقعت بسبب منها. قوله (وقوله تعالى: للمطلقات متاع بالمعروف) تمسك به من قال بالعموم، وخصه من فصل بما تقدم في الآية الأولى. قوله (ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الملاعنة متعة حين طلقها زوجها) قد تقدمت أحاديث اللعان مستوفاة الطرق، وليس في شيء منها للمتعة ذكر، فكأنه تمسك في ترك المتعة للملاعنة بالعدم، وهو مبني على أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان، فأما من قال إنها تقع بنفس اللعان فأجاب عن قوله في الحديث " فطلقها " بأن ذلك كان قبل علمه بالحكم كما تقدم تقريره، وحينئذ فلم تدخل الملاعنة في عموم المطلقات. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي قَالَ لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا الشرح: ذكر حديث ابن عمر في قصـة الملاعن وقوله فيه " وإن كنت كاذبا " وقع في رواية الكشمهيني " وإن كنت كذبت عليها. وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم تسعون أثرا. والله أعلم.
|